الشاشات والتواصل

 

في عصرنا الرقمي الراهن، أصبحت الشاشات جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية للأطفال والبالغين على حد سواء. ورغم الفوائد التي تقدمها التكنولوجيا، إلا أن الإفراط في استخدامها يحمل مخاطر كبيرة، خصوصًا للأطفال في سنوات نموهم الحاسمة.

تسلط هذه المقالة الضوء على الآثار السلبية لاستخدام الشاشات على تطور الكلام واللغة لدى الأطفال، مع التركيز على تأثيرها على مجالات التواصل، والتفاعل الاجتماعي، والنمو المعرفي.

تتعدد العوامل التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند تقييم تأثير الشاشات على اللغة، مثل مدة استخدام الشاشات، وجود شخص آخر يشاهد مع الطفل، نوع المحتوى المُشاهد، البيئة المحيطة بالطفل، بالإضافة إلى عوامل أخرى قد تؤثر في تطور مهارات اللغة. وفيما يلي، سيتم استعراض بعض الآثار الضارة لاستخدام الشاشات على الأطفال:

التأثير على مهارات التواصل

أحد أكبر التأثيرات السلبية لوقت الشاشات المفرط هو تعطيل تطوير مهارات التواصل عند الأطفال. التواصل اللفظي وغير اللفظي، مثل قراءة تعابير الوجه ولغة الجسد، أمر بالغ الأهمية لتعلم اللغة في السنوات الأولى. عندما يقضي الطفل وقتًا طويلاً أمام الشاشات، مثل مشاهدة التلفزيون أو اللعب بالألعاب الإلكترونية، فإن هذه الأنشطة لا تعزز التفاعل الاجتماعي الفعّال. في الواقع، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تأخر في اكتساب المفردات، حيث أن الأطفال الذين لا يتعرضون للتفاعلات اليومية مع الأهل والأقران يفتقرون إلى الفرص الطبيعية لتعلم الكلمات والجمل.

 

 التأثير على التفاعل الاجتماعي

التفاعل الاجتماعي بين الأطفال والأشخاص المحيطين بهم، سواء كانت الأسرة أو الأصدقاء، يعد أساسيًا لتطوير المهارات الاجتماعية واللغوية. قضاء وقت طويل أمام الشاشات يقلل من هذه التفاعلات ويؤثر سلبًا على قدرة الطفل على فهم الإشارات الاجتماعية والتواصل بشكل فعّال. تشير الدراسات إلى أن الأطفال الذين يتعرضون للكثير من الشاشات في السنوات الأولى من حياتهم قد يواجهون صعوبة في بناء علاقات اجتماعية سليمة ويعانون من مشكلات في التكيف الاجتماعي.

 التأثير على النمو المعرفي

تعتبر السنوات الأولى من حياة الطفل فترة حاسمة لتطور الدماغ. في هذه الفترة، يقوم الطفل بتطوير القدرة على معالجة المعلومات واكتساب المهارات المعرفية مثل التفكير المنطقي وحل المشكلات. تشير الدراسات إلى أن الإفراط في استخدام الشاشات قد يؤثر على قدرة الطفل على التركيز والانتباه، مما يعوق تطور مهارات التفكير النقدي والإبداعي. علاوة على ذلك، فإن العديد من الأنشطة الرقمية لا تتطلب من الطفل التفاعل أو التفكير العميق، مما يؤدي إلى قلة النشاط العقلي مقارنةً بالأنشطة الأخرى مثل القراءة أو اللعب التفاعلي.

التأثير على التطور اللغوي

يعد التواصل الشفهي أحد المكونات الأساسية لتطور اللغة. يمكن أن يعيق وقت الشاشات المفرط اكتساب اللغة، حيث يعتمد الأطفال في هذه الحالة على المحتوى الرقمي بدلاً من المشاركة النشطة في المحادثات. تشير الأبحاث إلى أن الأطفال الذين يشاهدون الكثير من التلفزيون أو يستخدمون الأجهزة الرقمية بشكل مفرط لا يطورون مهارات التواصل بنفس السرعة التي يطورها الأطفال الذين يتفاعلون مع الأشخاص بشكل مستمر. كما أن الوقت المفرط أمام الشاشات قد يؤثر على مهارات القراءة، ما يؤدي إلى تأخر في المهارات الاكاديمية، مثل الكتابة وفهم الكلام المكتوب.


التأثير على النوم
من الآثار السلبية الأخرى لاستخدام الشاشات المفرط تأثيره على النوم. تشير الدراسات إلى أن الأطفال الذين يقضون وقتًا طويلاً أمام الشاشات يعانون من صعوبة في النوم أو جودة النوم، ما يؤثر على صحة الدماغ. لأن قلة النوم تعيق قدرة الدماغ على معالجة المعلومات والتعلم، بما في ذلك اكتساب اللغة والمهارات الاجتماعية، كما يمكن أن يتداخل الضوء الأزرق المنبعث من الشاشات مع إنتاج الميلاتونين، وهو هرمون ينظم النوم. بالتالي تؤدي جودة النوم الرديئة أو قلة النوم إلى صعوبات في التركيز والذاكرة والتعلم، مما يعيق تطور اللغة.

انخفاض جودة التفاعل بين الوالدين والطفل
يعد التفاعل الجيد بين الوالدين والطفل أمرًا بالغ الأهمية لاكتساب اللغة. توفر الأنشطة مثل قراءة الكتب، ورواية القصص، وغناء الأغاني، والمشاركة في المحادثات، مدخلات لغوية غنية ونماذج لاستراتيجيات التواصل الفعالة، يمكن أن يتداخل وقت الشاشات المفرط مع هذه التفاعلات، حيث قد ينشغل كل من الوالدين والأطفال بأجهزتهم، مما يقلل من تكرار وجودة التبادلات اللفظية.
أظهرت دراسة أجرتها جامعة واشنطن، أن حتى التلفاز الذي يعمل في الخلفية يمكن أن يعطل التفاعل بين الوالدين والطفل. عندما يكون التلفاز قيد التشغيل، يميل الوالدان إلى التحدث أقل مع أطفالهم، مما يؤدي إلى انخفاض جودة اللغة المستخدمة، وبالتالي تقل الفرص التي يمكن أن يتعلم فيها الأطفال كلمات جديدة وبُنى لغوية. يمكن أن يعيق هذا التراجع في المحادثات التفاعلية تطور مهارات لغوية هامة، مثل زيادة المفردات، والتركيب اللغوي، واستخدام اللغة في سياقات عملية.

التفاعل الاجتماعي ومهارات اللغة العملية
يمكن أن يعيق وقت الشاشات المفرط أيضًا تطور التفاعل الاجتماعي ومهارات اللغة العملية. تتعلق هذه المهارات بفهم واستخدام اللغة بشكل مناسب في السياقات الاجتماعية، مثل معرفة كيفية التبديل في المحادثات، وتفسير الإشارات غير اللفظية، وتعديل الكلام وفقًا لاحتياجات المستمع. تعلم هذه الجوانب من اللغة يكون بشكل أفضل من خلال التفاعلات الاجتماعية الواقعية، التي تتقلص بشكل كبير عندما يقضي الأطفال وقتًا طويلاً أمام الشاشات.يمكن لوقت الشاشات التفاعلي، مثل مكالمات الفيديو، أن يوفر بعض الفرص للتفاعل الاجتماعي. ومع ذلك، فإنه لا يعد بديلاً للتواصل وجهًا لوجه. توفر التفاعلات الواقعية تجارب غنية ومتعددة الحواس، وهي أساسية لتطوير مهارات اللغة الاجتماعية والعملية. يتعلم الأطفال قراءة تعبيرات الوجه، ولغة الجسد، والإشارات غير اللفظية الأخرى، والتي غالبًا ما تكون مفقودة أو محدودة في التفاعلات المعتمدة على الشاشات.

مدة الإنتباه والتركيز
يرتبط الاستخدام المفرط للشاشات بفترات انتباه أقصر وصعوبة في الحفاظ على التركيز أثناء المهام التي تتطلب انتباهًا مستمرًا. يمكن أن يؤدي ذلك إلى تحديات في فهم اللغة ومهارات التعبير اللغوي، حيث قد يجد الأطفال صعوبة في متابعة المحادثات، والتعليمات، أو السرد القصصي الذي يتطلب انتباهًا واستماعًا مستمرًا.

التأثير على مهارات الانتباه والاستماع
يمكن أن يؤثر وقت الشاشات، خاصة عندما يتضمن محتوى سريع الحركة أو مفرط التحفيز، بشكل سلبي على مهارات الانتباه والاستماع لدى الأطفال، وتعتبر هذه المهارات أساسية لتطور اللغة والنجاح الأكاديمي. الأطفال الذين اعتادوا على التغيرات السريعة والتحفيز العالي قد يجدون صعوبة في التركيز على الأنشطة الأقل ديناميكية ولكنها ضرورية، مثل الاستماع إلى المعلم أو المشاركة في محادثة لكن على الرغم من أن الإفراط في استخدام الشاشات له آثار سلبية واضحة على تطور الكلام واللغة، فمن غير الواقعي القضاء على الشاشات تمامًا من حياة الأطفال. وبدلاً من ذلك، يمكن للآباء ومقدمي الرعاية اتخاذ خطوات للتخفيف من هذه الآثار

   تحديد وقت الشاشة
اتبع الإرشادات مثل تلك الصادرة عن الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، وحد من وقت استخدام الشاشات للأطفال الصغار، وتأكد من أنها لا تتداخل مع النوم، والنشاط البدني، والانشطة الأساسية الأخرى.

ألعاب الفيديو بأنواعها

الأجهزة الذكية

مشاهدة التلفزيون

المدة

العمر سنوات

لا يسمح

لا يسمح

لايسمح

لايسمح

0-2

لايسمح

لايسمح

نعم

ساعة يوميا

3-5

لايسمح

لايسمح

نعم

ساعتين

6-12

نصف ساعة يوميا

نعم

نعم

ساعتين

13-18

  المحتوى الموجه
يجب أن يكون المحتوى الموجه بعناية تعليميًا ويعزز المهارات المعرفية ومهارات التواصل. من الضروري أيضًا أن يتوافق مع سن الطفل حتى لا يكون مفرطًا أو غير مناسب

  المشاركة في المشاهدة والمناقشة
يجب على شريك التواصل المشاركة في وقت مشاهدة الشاشات مع الطفل، من خلال وصف ما يشاهده بعبارات واضحة وبسيطة، مثل تسمية المفردات، الأفعال، والألوان. يمكن طرح أسئلة بسيطة على الطفل حول المحتوى ومناقشته، وربطه بتجارب الحياة الواقعية لتعزيز الفهم واستخدام اللغة

استغلال الوقت لصالحك
خلال وقت مشاهدة الشاشة، استغل الفرصة لطلب أوامر بسيطة من طفلك، مثل
"أحضر عبوة المناديل"
"أحضر الماء من الثلاجة"
"أغلق الباب"
وذلك لتعزيز قدراته على الاستجابة للأوامر

 استخدم التلفاز للتعزيز
أخبر طفلك أنه عندما ينفذ الأوامر المطلوبة منه خلال اليوم، سيحصل على فرصة لمشاهدة التلفاز لفترة قصيرة. اختر محتوى تعليمي جيد، وابتعد عن الأغاني أو الرسوم المتحركة السريعة

تشجيع اللعب النشط
 يعد اللعب النشط من أهم الأنشطة التي تساهم في تطوير مهارات الطفل، خاصةً في مجالات اللغة والتواصل. عندما يتفاعل الطفل مع الأنشطة التفاعلية، مثل قراءة القصص أو تبادل الأدوار، فإنه يحصل على فرصة لتنمية مفرداته وفهمه للغة بشكل أفضل